plastic Solar cell - Public Domain

في عالَم ينفد منه الوقود، كيف ستكون الخلايا الشمسية البلاستيكية هي المنقذ؟

بينما تقرأ تلك المقالة يستخدم جهازك الكهرباء، لكن: «من أين تأتي تلك الكهرباء؟». عام 2017 تم توليد حوالي 68% من الكهرباء المٌستخدَمة في العالم عن طريق الفحم أو الغاز الطبيعي.(1) لكن ماذا لو نفذت تلك المصادر؟ وماذا عن التلوث والتغير المناخي الناجم عن محروقات الوقود والفحم.

هناك مصادر للطاقة، متجددة وأكثر ودية مع البيئة فضلًا عن كونها مجانية، تشرق الشمس يوميًا وتوفر الطاقة للأرض في شكل ضوء، الألواح الشمسية قادرة على تحويل تلك الطاقة إلى كهرباء ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن تلك الألواح المُستخدمة في توليد الطاقة الشمسية لا تزال باهظة الثمن. إذا كانت تلك الألواح الشمسية أقل تكلفة فهل يمكننا استخدام الشمس بأقصى إمكانياتها والحصول على كهرباء رخيصة ومُستدامة؟

انفوجرافيك عن طاقة الشمس

credit: Fady Dawood – انفوجراف عن طاقة الشمس

بلاستيك موصل للكهرباء !

 

جميعنا يعرف الألواح الشمسية بلونها الأزرق الداكن أو الأسود وقوامها الصلب لكن اليوم نحن على موعد مع ملاقاة ألواح من نوع آخر أكثر مرونة وأعلى شفافية وأقل تكلفة، قادرة على توليد الطاقة الكهربائية.
حسنًا! تلك الأخيرة أطلق عليها العلماء «الخلايا الشمسية العضوية» يرتبط دوما المصطلح «عضوي» بالمواد التي تحتوي الكربون بصورة أساسية، ونحن نقصد هنا الخلايا البلاستيكية  وهى خلايا عضوية تتكون من مواد بوليمرية (بلاستيكية). المميز في تلك الخلايا كونها تجمع بين تكنولوجيا أشباه الموصلات وخواص البلاستيك لذلك فهي لها القدرة على تحويل الضوء إلى طاقة لكن ما يجعلها تتغلب على الخلايا الشمسية الاعتيادية القاسية كونها خفيفة الوزن و شفافة و مرنة مما يمكن من تطبيقها على مساحات كبيرة وتلك أهم المميزات والوجه الحسن للبلاستيك.

في كتابه «البوليمرات الموصلة للكهرباء وتطبيقاتها» أوضح  مُراد آتيس (Murat Ates) أن:  

«منذ أن اكتشف العلماء خواص التوصيل الكهربائية للبلاستيك عام 1970 يقوم عددًا كبيرًا منهم بالبحث عن تطبيق عملي لذلك، لكني لا أرى تطبيق على ذلك أهم وأقوى من استخدام تلك الخاصية في الخلايا الشمسية، إننا بحق في أمس الحاجة إلى ذلك»

وبالفعل يسعى الكثير من العلماء على رفع كفاءة الخلايا الشمسية البلاستيكية للوصول لأعلى كفاءة ممكنة، ولكنهم عادةً ما يواجهون أزمة ما وهي  المذيبات العضوية المستخدمة لتطبيق المواد البولمرية والتي عادة ما تكون مواد غير صديقة للبيئة.

خلايا شمسية بلاستيكية قد تكون المنقذ لأزمة الطاقة

هذا ما تتبناه أميمة غازي أستاذ مساعد الكيمياء الفيزيائية في مركز بحوث وتكنولوجيا الإشعاع التابع لهيئة الطاقة الذرية المصرية ، تعمل دكتور أميمة على إدخال تكنولوجيا النانو للتحكم في الخلايا البلاستيكية ورفع كفائتها، كما تستهدف استخدام الماء كمُذيب آمن للأحبار المستخدمة في تصنيع الخلايا الشمسية. دعنا نرى بشيء من التفصيل ما المقصود بالخلايا الشمسية؟
وكيفية عملها؟ وأي فارق سيحدثه ذلك البحث الذي قامت به دكتور أميمة في هذا الصدد إن تم تطبيقه؟

 

1. الخلايا الشمسية المصنوعة من السيلكون

 

تعرف أيضا بالخلايا الفولتوضوئية (Photovoltaic cells) وهي نوع من الخلايا الشمسية تدخل أشباه الموصلات في تصنيعها (مثل السليكون المُستخرج من الرمل النقي). تُصنع الخلية الشمسية على عدة طبقات يُضاف إليها بعض الشوائب المعدنية كالفسفور لتكسبها بعض الخواص الكهربائية.

صورة متحركة – اضغط عليها للتشغيل

credit: Fady Dawood

التكلفة المبدئية لتصنيع وتركيب الخلايا الشمسية المصنوعة من السيلكون مرتفعة للغاية، كما يصعب التحكم في شكلها نظرًا لعدم مرونتها؛ وهذا ما يجعلها غير شائعة ومحدودة الاستخدام.

يتم تركيب هذا النوع من الخلايا أعلى أسطح المنازل، حيث يتم صف العديد منها جنبًا إلى جنب، ثم يتم وضع طبقة حماية مصنوعة من الزجاج  على الجهة العليا منها والتي تأخذ وضعيتها عموديةً على أشعة الشمس، كما يتم حماية جوانبها لمنع الرياح من الاحتكاك برقائق أشباه الموصلات. ترتطم أشعة الشمس بالطبقة العلوية من الألواح مانحةً أشباه الموصلات الطاقة -والتي تتغير شدتها بتغير شدة الإشعاع الشمسي- ثم يقوم الموصل الكهربائي المتواجد بين الطبقتين بدوره في نقل تلك الطاقة من الطبقة العليا من الألواح إلى الطبقة السفلى منها مولدةً تيارًا وجهدًا كهربائيا. ذلك التيار الذي حصلنا عليه للتو هو تيار مستمر؛ لذا يتم وضع محول يقوم بتحويل هذا التيار المُستمر إلى تيار متردد صالح للاستخدام المنزلي مباشرةً.

صورة متحركة – اضغط عليها للتشغيل

credit: Fady Dawood

2. الخلايا الشمسية العضوية – البلاستيكية

 

يطلق عليها أيضًا الخلايا الكهروضوئية العضوية (OPV) وهي تلك التي يتم تصنيعها من مركبات مُذابة تشبه الأحبار بحيث يمكن طباعتها على لفات رقيقة من البلاستيك، وتتمتع بمرونة عالية تجعلها قادرة على الانحناء حول الهياكل، الاندماج داخل الملابس، بل والأكثر من ذلك يمكن استخدامها كطلاء للمباني.
عملية تصنيع تلك الخلايا سهلة وسريعة وغير مكلفة.

organic solar cell

صورة لعينة خلية شمسية بلاستيكية توضح المرونة والشفافية للخلية 
Image courtesy of Fraunhofer ISE



لماذا لا تلقى الخلايا العضوية انتشارًا واستخدامًا تجاريًا؟

حين تم توجيه هذا السؤال إلى دكتور أميمة أجابت: «إنها الكفاءة»
عادةً ما تستطيع الخلايا الشمسية المستخدمة تجاريًا تحويل 15-22٪ من ضوء الشمس  إلى طاقة كهربائية.

في حين أن المواد العضوية -حتى وقتٍ قريب- لم تكد أن تصل لتحقيق حوالي نصف هذه الكفاءة، كان هذا قبل أن يتمكن باحثون في إبريل من العام الحالي من الوصول لتحقيق كفاءة لهذه الخلايا وصلت إلى 15% في الاختبارات المعملية. تم نشر الدراسة في مجلة نيتشر العلمية الأسبوعية  كما أشار الباحثون إلى أن الوصول لنسبة كفاءة 17-25% هو ممكن معمليًا.

 

وفقًا للتقديرات ، مع كفاءة 15٪ وعمر 20 عامًا ، يمكن للخلايا الشمسية العضوية إنتاج الكهرباء بتكلفة أقل من 7 سنتات لكل كيلوواط/ ساعة مما يجعل هذا الأمر نقلة هائلة في سعر وكفاءة توليد الطاقة الكهربائية في العالم.

وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بلغ متوسط تكلفة الكهرباء عام 2017 في الولايات المتحدة 10.50 سنتًا لكل كيلوواط/ ساعة.

في تصريح خاص لموقع «بالعربي» أدلت به دايان هينكز (Diane Hinkens) الباحثة في قسم الكيمياء الحيوية بجامعة بلومزبورج بولاية بنسلفانيا والتي تقوم بإعداد أبحاث ما بعد الدكتوراة في مجال الخلايا الشمسية العضوية قائلةً:

«نحن مقبلين على مستقبل واعد للخلايا البلاستيكية، تتألف الخلية الشمسية التي أعمل عليها من حوالي كوادريليون (مليون مليار) من جزيئات بوليمرية مُحاطة بمنطقة مساحتها سنتيمتر واحد فقط. وعند إضافة تكنولوجيا النانو لتلك الخلايا سوف نتحكم بها بطريقة تسمح برفع كفائتها بصورة أفضل. هذه الخلايا الشمسية غير مكلفة؛ لأن البوليمرات العضوية يمكن تصنيعها باستخدام تقنيات منخفضة التكلفة، على غرار الطريقة وراء طباعة الصحف، وذلك يؤدي إلى مادة خفيفة الوزن ومرنة ميكانيكيًا»

Diane Hinkens

صورة لدايان هينكنز
Image courtesy of Qiquan Qiao, South Dakota State University

كيف لتكنولوجيا النانو أن تصل لكفاءة أعلى من تلك الخلايا؟

هذا هو محور بحث أميمة غازي، وهو إدخال تكنولوجيا النانو للتحكم في كفاءة تلك الخلايا. أحد الأسباب التي جعلت الخلايا الشمسية العضوية  أقل كفاءة هو حقيقة أن المواد العضوية تحتوي على جزيئات مرتبطة بشكل فضفاض لا يسمح بالمرور الأمثل للإلكترونيات؛مما يجعل كفاءة الخلايا البلاستيكية أقل.

 

بدأت دكتور أميمة عملها خلال رسالة الدكتوراه في تحضير مواد نانومترية للتحكم في تشكل خليط من البوليمرات للتحايل على مشكلة الكفاءة عن طريق تجميع طبقات مختلفة من المواد معًا باستخدام تكنولوجيا النانو للحصول على شكل يسمي «جسيمات يانوس – Janus Morphology» الغاية من تحقيق جسيمات يانوس هو تصميم أو تجهيز سطح متجانس تستطيع فيه الإلكترونات الحركة بسهولة  

يسمح  «سطح يانوس» بنوعين مختلفين من الكيمياء على نفس الجسيم. يتم تحقيق أبسط حالة لجسيم يانوس عن طريق تقسيم الجسيم إلى جزئين متميزين ، كل منهما إما مصنوع من مادة مختلفة ، أو يحمل مجموعات وظيفية مختلفة. وفي تلك الحالة يعمل جزء كمانح للإلكترونيات وجزء مستقبل للإلكترونيات.

credit: Fady Dawood الرسم التوضيحي يوضح جسيمات يانوس

تسعى دكتور أميمة للوصول لشكل جسيمات يانوس الذي سيضمن تحكم أفضل في كفاءة الخلايا البلاستيكية عن طريق توفير سطح متجانس لتوليد الطاقة الكهربائية على سطح الخلية الشمسية. 

وقد حصل موقع بالعربي على صور عينات معملية من دكتور أميمة.

مستقبل واعد بالفعل لكن هل سننتظر كثيرًا؟

وفقا لدراسة وتحليل أعدتها مجموعة “Market Insights Reports” لسوق الشركات التي تعمل في تكنولوجيا الخلايا الشمسية البلاستيكية على مدار السنوات الخمس القادمة، سوف يسجل سوق البوليمرات الموصلة معدل نمو سنوي يبلغ 5.8٪ من حيث الإيرادات، سجل السوق العالمي للبوليمرات في عامنا الحالي حجم 3900 مليون دولار، في حين تخبرنا الدراسة بأنه بحلول عام 2024 سيصل حجم السوق إلى إلى 5470 مليون دولار. يمكن الاطلاع على الدراسة من هنا

«الخلايا الشمسية تم تطبيقها بشكل محدود وبكفاءة أقل، ولكن عن طريق الأبحاث و معمليًا استطاع العلماء الوصول لنسب أعلى واعدة للاستخدام التجاري، سننتظر تطبيق ذلك بالفعل. حلمي أن نتمكن في خلال عقد من الزمان من جعل أسطح جميع المباني مولِدة للكهرباء عن طريق طلائها بخلايا شمسية بلاستيكية»

هكذا اختتمت دكتور أميمة حديثها لنا

بعد كل هذه المؤشرات الواعدة للخلايا الشمسية البلاستيكية هل سيأتي يومًا نخبر فيه مهندسي البناء برغبتنا في طلاء واجهات منازلنا بالخلايا الشمسية البلاستيكية أو هل سترغب عزيزي القارئ في قضاء إحدى تنزهاتك بمعطف مطلي بحبر يقوم بتوليد الكهرباء؟
أسئلة كثيرة ربما تحمل السنوات القادمة إجابة لا نتوقعها عنها

هذا التقرير منتج في إطار مشروع الصحافة العلمية «العلم حكاية» الذي ينظمه معهد جوته، والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD) وبدعم وزارة الخارجية الألمانية.